تيار العزم | وضع " المسن " بين المؤسسات الرعائية واهتمام الأبناء

خاص-Azmtayyar.org

 داخل غرفتها في احدى المؤسسات الرعائية تنتظر وداد "ساعة الرحمة" بعدما تخلى عنها أولادها لانشغالهم بتأمين " لقمة العيش"، وهي التي احتضنتهم في أحلك الظروف القاسية ولم تستسلم "لفقرها"، بل جاهدت في سبيل تأمين العيش الكريم لهم، لتكون النتيجة سلخها عن بيتها ورعايتها من قبل عائلة جديدة لا يربطها بها سوى"عمل الخير".

وبالرغم من أن الأديان السماوية برمتها حضت على بر الوالدين، الا ان مجتمعاتنا تضج بالأبناء الذين يتخلون عن ذويهم بذرائع واهية ليكون للمؤسسات الرعائية الدور الأهم في احتضانهم.  فكيف يعيش المسن أيامه الأخيرة؟ وأي معاناة نفسية يكابدها في أواخر محطات حياته؟ الجواب في هذا التقرير:


فتش عن الفقر

مدير عام "دار الأكارم" التابع لجمعية مكارم الأخلاق الاسلامية في الميناء محمد بارودي وضع الأمر في خانة الضائقة الاقتصادية معتبراً أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة أجبرت بعض الأسر الطرابلسية على اللجوء إلى دور الرعاية، خاصة مع توفر الخدمات الجيدة التي تقدمها المؤسسات.

وأكد بارودي في حوار مع موقع "تيار العزم" أن دار المسنين ربما كانت أفضل لهم من وجودهم داخل المنزل، نظراً لما يحتاجه من خدمات معينة، رغم أنه لا شيء يغني عن دفء العائلة، إلا أنه من الضروري جداً وجود مثل هذه المؤسسات الرعائية للمساهمة في رفع الضررعن بعض الأسر والتي لم تعد قادرة على تقديم الخدمة للمسن.

أمين الفتوى في طرابلس

 

ومن نافل القول أن الدين الإسلامي أوصى بالوالدين بشكل كبير، لا سيما في مرحلة الشيخوخة. من هنا، يؤكد أمين الفتوى في طرابلس الشيخ محمد إمام لموقعنا أنه "لا فرق بين مرحلة الشيخوخة ومرحلة الطفولة باحتياج الانسان الى من يرعاه ويتولى شؤونه".

ويتابع إمام: "في عصرنا الحاضر بات هناك ما يسمى دور الأيتام ودور العجزة، وهذا استثناء وليس الأصل، فمن الناحية الشرعية لا يجوز لمن يستطيع أن يرعى والديه أن يضعهم في دار للعجزة لما في ذلك من آلام نفسية على الأهل، وكل ما يشاع حول الظروف الضاغطة انما هي أعذار شرعية لا تبرر هذا الاستثناء. ما نجده في مجتمعاتنا اليوم دليل مرض وليس عافية، دليل انقلاب الموازين وانعكاس القيم. نحن لسنا ضد بيوت الرعاية بالمطلق، ولكن في حالات نادرة جداً، وكل من يساهم في دعم هذه المراكز له الأجر والثواب.

رأي الدين المسيحي


ولا تختلف نظرة الدين المسيحي حول هذا الموضوع، حيث يقول الخوري غريغوريوس موسى : "إذا كان البر بالمجتمع واجباً، فإنه يصبح أكثر وجوباً عندما يتعلق الأمر بالأبوين. لقد خلق الله الإنسان كي يكون محباً عادلاً مضحياً بعيداً عن الأنانية.

ويتابع موسى:"لا يمكن للانسان أن يعيش وحيداً في هذه الحياة عليه الاهتمام بمحيطه وعائلته، كل ما يحتاج له المسن في أيامه الأخيرة المعدودة القليل من الحب والعناية، ومن هذا المنطلق فاننا نتمنى على الأبناء الاهتمام بآبائهم في أيامهم الأخيرة كي يرقدوا بسلام".

ويختم: "أنا لست ضد بيوت الشيخوخة والتي باتت حاجة ملحة وضرورية في مجتمعاتنا لذا نقوم بمراقبتها وتوجيهها لما فيه مصلحة المسن. والواقع أن الكنيسة وعلى مر العصور تهتم بالأطفال والشباب والشيوخ ترعاهم وتعتني بهم، من هنا فاننا نحث الجميع على الاهتمام بكبار السن، فجميعنا يمكن أن نمر في هذه المرحلة ".

رأي علم النفس

ومن وجهة نظر علم النفس، كما يشرح الأستاذ في الجامعة اللبنانية د.جليل شكور، فإن من الواجب تأمين الراحة الكاملة للأهل الذين ربوا وضحوا وقدموا الغالي والنفيس في سبيل تربية أولادهم، بيد ان الظروف التي نتخبط بها هي التي تدفع بالأبناء الى أن يودعوا آبائهم وأمهاتهم في دور للعجزة حيث يشعر الشخص "المتروك " بالوحدة والعزلة واليأس والحزن.

ويتابع د.شكور: "بالطبع تكون الأوضاع النفسية للمسن داخل المأوى مأساوية ما لم نملأ فراغة بما يشعره بقدرته على العطاء، من خلال مهمات صغيرة تمنحه الأمان والراحة النفسية، لأن وظيفة المؤسسة ليس تقديم المأكل والصحة للمسن وانما احتضانه كي لا يصل الى مرحلة اليأس، وهذا الأمر يتطلب تضافر كل الجهود الملقاة على عاتق الأبناء والمؤسسات والدولة في الدرجة الأولى والتي ان قامت بتأمين ضمان الشيخوخة فانها تشجع الأبناء على التمسك بأهلهم" .

ملف شائك يختلط فيه الإنساني بالسياسي بالاجتماعي والاقتصادي، إلا أن الضحية تبقى واحدة: أناس في خريف العمر، قست عليهم الأيام وظلمهم المجتمع، ولم يجدوا من يؤنس وحشتهم، سوى إنصاتهم لأوراق العمر التي تتساقط من حولهم، وانتظارهم الورقة الأخيرة.

 تحقيق: روعة الرفاعي